من حكايات ابن طرفة – مقامة
زاحم جهاد مطر
ها أنا معكم وجها لوجه و كَفَّة لكَفَّة
لا أتحدث لكم حكايات كان يا ما كان في سالف الأزمان و لا حكايات العفاريت و الجان و لا عن طُّرْفة أو طُرْفة .
و لا عن الليالي الملاح و ديك الصباح و السكوت عن الكلام المباح و لكن عن تلك الشَّطبة التي إحترقت كسعفة .
و لا عن علي بابا و مغامرات السندباد و بطولات عنترة بن شداد بل عن المشحوف المركون على شفة الضفة .
و لا حكاية من حكايات الجدات في الليالي الخوالي عن الحنافيش و السعالي بل عن الروض الذي غدا رُّفة بلا رِّفة .
و لا عن قصص الحب و الهيام و العشق و الغرام و أصحاب العيون التي لا تنام بل عن العين التي نامت بلا رَّفة .
اعذروني ان كثرت واواتي و لاءاتي و زادت أنّاتي و أتبعتها بلوعاتي و حسراتي مذكراً بالعرّيس الذي أستشهد قبل الزَّفة .
و متطرفاتي المربوطات أبين مفارقة النهايات كالأشجان في صوت النايات عكس الأبتسامة التي فارقت الشفة .
و الفاء فاء بحزنه قبل التاء و بكى و صاح و ضرب الراح بالراح و ناح على أطلال الصُّفًّة التي غدت بلا صُّفّة .
قلت يا حروفي أخشى التكرار و الأعادة قُلْنَ اترك لنا القرار في الأعادة إفادة و تذكير بالفقير الذي حُرم من الحَفّة .
فسلّمت إليهن أمري و قلن نحن نقوم بالأمر و سوف نذكر القارئ بكل صور المرّ حتى ذاك العاطل الذي بلا حرفة .
علينا الأملاء و عليك الكتابة لصور الكآبة مثل هذه الباحثة في القمامة لا عن القِرفة بل عن النُدفة و النُتفة .
و اكتبْ بشكل صريح و واضح عن ذاك الطفل النازح المرتعش المصاب بالرجفة ؛ كأنه خُشف مرتعب من الخَشْفة .
( يتوقف عن الكلام و بعد فاصل من التنهد يواصل )
أيها الناس عجيب غريب أمركم بلا ماء بئركم و أنتم تتنازعون على الجُفّة ؛ و نهركم يابس و أنتم تسألون عن الغُرْفة ؛ و عليلكم بلا دواء و أنتم تبحثون له عن السُفّة ؛ و سفينتكم بلا ربّان و دفة ؛ تلف بها أمواج البحر كعصفة لفة إثر لفة ؛ و أنتم ساكنون تحلمون بالشاطئ و الضفة .
ما بالكم لا تتعضون و بحالكم لا تتفكرون و أنتم تنقلبون من خسفة الى خسفة و من رجفة الى رجفة ؛ لقد تغيرت كِفتا الميزان عندكم كِفة عن كِفة فكيف تكون الكِفة بالكِفة ؟ و أصبحتم تصفُون أخياركم من أهل العلم و الأدب بأهل الطرب و اللهو و الخِفّة ؛ و تصفُون أشراركم من أهل الزيف و الجهل بأهل الورع و التقى و العِفّة ؛وهم العارفون الذين في كل ما يقولون نصح حصفة .
صدقوني ما اقوله حقيقة و ليس بطرفة ؛ أقولها و في قلبي غصة و في حلقي حشفة ؛ و في طَّرْفي أكثر من طَّرْفة : هل أنتم ميتون لا تشعرون أم عميان لا تبصرون و دياركم تسرق منكم شطفة بعد شطفة .
هل تذكرون ؟
كم كانت تربتكم مشهورة بالتُرفة ؛ و رياضكم معروفة بالملتفة ؛ و أشجاركم مزهوة بالرفة ؛ و سواقيكم بعيدة عن النشفة ؛ و كنتم تعيشون في عزّ و أنفة و وئام و ألفة ؛و نخيلكم سامقات على الأطراف كالملتفة .
أليس في الأمر أكثر من وقفة ؟
أبدا ......إنه ليس و ليد الصدفة ؛ أن يؤول الأمر من طاغية إلى جِفّة ؛ لتعود بنا إلى ايام اللمبة و المهفة و السلة و القفة ؛ و تصير أرضنا أكثر من ظلفة حلفة ؛ تزخر بالحيّات المهلكة الحتفة .
فهل من وقفة ؟
كلامي ليس موجها الى كل من هبّ ودبّ بل الى كل كريم طِرف و كريمة طِرفة ؛ من أهل الفكر و الحرفة ممن لا يبحثون عن جاه أو زلفة فمتى أراهم مع القدوة و السُّلفة .
...........
ارسل لي الاديب والمقاماتي زاحم جهاد مطر بطلب مني مجموعة من النصوص بعنوان : "مقامات بغدادية" كنت مندهشا من قدرته على لي عنق فن المقامة التراثي ليلبسه المعاصرة ويدخل عليه عناصر جديدة اكثرها تنتمي لفن القصة .
وها قد مضى اكثر من عام على رحيله بعد معاناة طويلة مع المرض ، فمضى سنينه الاخيرة بين مكابدة الكتابة وتجديد فن المقامة التراثي ومقاومة المرض ، ولكنه لم يغادرنا دون ان يترك لنا ما يخلده بيننا ويعيده الينا لاجيال واجيال قادمة . فتعازينا الحارة بسنوية رحيله لكل اصدقائه ومحبيه
المحرر